fbpx

Moorish History

صفحة متخصصة بالتاريخ المغربي، ثقافيا فنيا ميثولوجيا و أركيولوجيا.. هنا نعيد قراءة التاريخ

دفاعاً عن التيار الموري وتعريفاً به، أولا الزلايجية !

كتبه : الدكتور عبد_الله_الحلوي، رئيس شعبة اللغة الإنجليزية وآدابها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ جامعة القاضي عياض بمراكش

هدفي من هذه السلسلة من المقالات القصيرة حول “التيار الموري” أن أدافع عن هذا التيار الثقافي وأن أساهم بالمزيد من التعريف به.
في كل مقال قصير من هاته السلسلة، سأرد على اعتراض واحد من الإعتراضات التي وجهت لهذا التيار، كما سأشارك مقالا من المقالات التي شاركها أحد عناصر هذا التيار.

الإعتراض الذي سأرد عليه اليوم أسميه ب”الإعتراض على الزّلايجية”، وصيغة هذا الإعتراض هي كما يلي: “التيار الموري يركز على مواضيع “تافهة”، كالقفطان والزليج، وغيرهما من المواضيع التي لا تُعرِّف حقا بالثقافة الأمازيغية الأصيلة، ولا تتناول جوهر القضية الأمازيغية التي هي في جوهرها قضية شمولية مناطها حقوق مسلوبة تتضمن الحقوق اللغوية والثقافية، ولكنها تتضمن أيضا الحق في الموارد الطبيعية (الحق في “أكال”) ولمشاركة السياسية (الديموقراطية الحقيقية).

ردي على “الإعتراض على الزلايجية” هو كما يلي:
1ــ رد في الشكل: استعمال وصف “الزلايجية” (المتداول عند بعض المعترضين على التيار) للإشارة إلى التيار الموري استعمال غير أخلاقي من وجهين. أولهما أن فيه نوعا من النظرة الدونية ل”الزلايجي” الذي يمثل فئة مهنية اجتماعية مهمة ينبغي أن نحترمها لا أن نستخدم اسمها المهني للقدح في من لا نتفق معه فكريا. ثانيها أن استعمال أوصاف من هذا النوع موروث عن التيارات اليسارية المتطرفة (الذين ابتدعوا أوصافا مثل: “الخوانجية” و”الڭلاڭلية” وغيرهما) التي تؤمن ب”العنف الثوري” ولا تتورع عن استعمال التعابير القادحة للطعن رمزيا في من يخالفها ــ يجب أن نتجنب مثل هاته الممارسات التواصلية اللاأخلاقية، ونشير لكل تيار بالإسم المفضل عنده مع احتفاظنا بالحق في الإختلاف الجزئي أو الكلي معه.

2ــ رد في المبدإ: يبدو أن أصل وصف “الزلايجية” هو الرمز الذي يستعمله هذا التيار ليرمز لنفسه، والذي هو نجمة ثمانية مكونة من مربعين متداخلين، يقال بأنه علم الدولة السعدية. والمعترض على هذا الرمز إنما يعترض عليه لأنه من تراث الدولة السعدية (اعتراض تاريخي)، أو لأنه يمثل جانبا من الثقافة الأمازيغية المورية لا يرتاح له (اعتراض ثقافي). سأعود للوجه التاريخي للإعتراض لاحقا في مقال آخر. الوجه الثقافي لهذا الإعتراض غير وجيه لسببين. أولهما أن اتخاذ رمز “مَديني” توجه ذكي مطلوب لأن كثيرا من الناس (داخل الحركة الأمازيغية وخارجها) يربطون الثقافة الأمازيغية بشكل كامل بالقرية وحدها، وكأن هذه الثقافة لم تنجح في تاريخها في التعبير عن نفسها مدنيا، وهذا ظلم لهذه الثقافة. الثقافة الأمازيغية ليست هي “تاڭلّا دوغّو” فقط، بل هي أيضا “البريوات وكعب الغزال أيضا” بعد أن امتدت إلى المدينة، وهي ليست “المنازل الترابية المبلطة نوافذها بالجبس الأبيض فقط، بل هي النقوشات المبهرة الدقيقة التي نحتها الإنسان الأمازيغي على الصخور التي بنى بها صومعة الكتبية في مراكش أيضا، وهي ليست تقشابت فقط، بل هي أيضا الجلابيب الفريدة المطرزة بخيوط الذهب التي كانت تستعمل في كبريات المدن أيضا … فكل هاته المنتجات الحضارية هي منتجات محلية أبدعها الإنسان الأمازيغي الموري في مدنه الكبيرة، ولو عدت إلى أسماء الحرف التقليدية المدينية القديمة التي اختفت لوجدت معظمها أسماء أمازيغية لم تعد متداولة اليوم. لا شك أن القرية لعبت دورا حاسما في حفظ التراث اللساني والأدبي الأمازيغي، لكن المدينة هي التي حافظت على الأشكال التقليدية التي تطورت بها الثقافة الأمازيغية القديمة من ثقافة فلاحية إلى ثقافة صناعية. لنتذكر أن دولة السعديين السوسية هي التي كانت تصدر السكر لابريطانيا!

3ــ اعتراض في المضمون: الدعوى التي مقتضاها أن الحركة المورية تركز على مواضيع “تافهة” مثل “القفطان” و”الزليج” ولا تهتم بالقضية الأمازيغية في شموليتها هي دعوى غير موفقة من حيث تبخيسها لهذه المواضيع، ودعوى غير دقيقة من حيث اختزالها لما يهتم به التيار، ودعوى غير منصفة من حيث عدم اعتبار طبيعة التيار الموري نفسه.

جانب “عدم التوفيق” ناقشته في النقطة (2).
جانب “عدم الدقة” واضح لا غبار عليه. فما يحتاج المرء سوى لأن يضع لائحة بعناوين المقالات التي ينشرها التيار ليرى بنفسه غنى وتعدد المجالات التي يتطرق لها. وهذه لائحة قد تفي بالغرض:
1ــ أقدم تمثال بتاريخ البشرية تم العثور عليه بالمغرب
2ـ أقدم حِلِي في العالم تعود إلى 85 الف سنة
3ـ إنسان جبل إيغود هو النواة الاولى للبشرية
4ـ أقدم سكين بالعالم تم العثور عليه بالمغرب
5ـ تاريخ “أنفا” الدار البيضاء كما لم تعرفه من قبل !
6ـ ملامح وهيئة الملك الموري بوكوس الأول
7ـ طارق بن زياد كما لم تعرفه من قبل
8ـ كلام بوكوس الأول للدكتاتور لوسيوس سولا
9ـ أقدم تمثال بتاريخ البشرية تم العثور عليه بالمغرب
10ـ المغاربة أحرار في اختيار أسماء أمازيغية..

فأنت ترى أن أدبيات التيار الموري شديدة التنوع من حيث مواضيعها (المدن، الشخصيات، الخ)، ومن حيث الأزمنة التي تتناولها (قبل إسلامية، بعد إسلامية، الخ). لذلك فادعاء اقتصار أهل التيار على “القفطان” “والزليج” وما شابه ذلك، فهو ادعاء غير دقيق.

هذا بالإضافة إلى أن دعوى المعترض من هذا الوجه غير منصفة من حيث عدم اعتبار طبيعة التيار الموري نفسه، فهو ليس تيارا سياسيا، نحاسبه على عدم تناوله لقضية “أكال” والحقوق السياسية، وليس تيارا اجتماعيا، نطالبه بموقف له واضح حول “الحريات الفردية”، وليس حركة دستورية، نسائلها حول موقفها حول صياغة الفصل 5 من دستور 2011. هو تيار ذو هدف محدد (في بيان إعلان التيار الموري) وهو: ” إعادة الاعتبار إلى الهوية المغربية على أسسها الأمازيغية المحلية الصلبة، بكونها أصيلة البناء والتشكل، مند آلاف السنين إلى الحاضر، والتعريف بنبوغها الراقي علما وأدبا وعِمارة وفنا وصناعة، واعتبار كل مساهمات الحضارات المغربية المورية في التاريخ مصدرا لإغناء هويتنا الأمازيغية المحلية وتعزيزها”، وهدف منصته الإجتماعية المعلن عنها في موقعهم للتواصل الإجتماعي هو: أن “نعيد قراءة التاريخ”. فلا نستطيع أن نحاسب هذا التيار باعتبارات سياسية لأنه ليس تيارا سياسيا، وإلا أنكرنا على “منظمة تاماينوت” و”لامريك” وغيرها من الجمعيات الأمازيغية الرائدة في التعريف بأوجه الثقافة الأمازيغيةــ أنكرنا عليها أنها لا تحمل مشاريع سياسية واقتصادية واجتماعية. تخيل مثلا أن أرفض قراءة الأعمال التوثيقية الرائدة للباحث عمر أمرير فقط لأنه لا يعبر عن مواقف سياسية نرتضيها، أو لأنها يظهر بعض “المحافظة” السياسية والإجتماعية! هذا ظلم، في أحسن الأحوال، واستهداف غير مفهوم للتيار الموري، في أسوئها.

خلاصة: “الإعترض على الزلايجية” (كما صغته هنا) اعتراض مردود عليه من حيث الشكل، ومن حيث المبدإ، ومن حيث المضمون. الإعتراض الموالي الذي سأرد عليه هو: “الإعتراض على مورية التيار”.